الاخبار

كلمة الأستاذ محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب عن معارض الكتب العربية ودورها في تعزيز التعاون الثقافي العربي

معارض الكتب العربية
ودورها في تعزيز التعاون الثقافي العربي
 

1-     مقدمة:
تعتبر معارض الكتب العربية، التي تقام في كل البلدان العربية من أهم الأحداث الثقافية بل السياسية فيها، وهي أكبر نشاط ثقافي على الإطلاق تقوم به وزارات الثقافة العربية. فهذه المعارض تؤدي دورًا ثقافيًا ومجتمعيًا لمواطني البلدان العربية، فهي عرس ثقافي ينتظره الكُتاب والمفكرون والمثقفون والناشرون ومحبو القراءة من عام إلى عام.
إذ إن هذه المعارض تصبح فرصة حقيقية من خلال الفعاليات الثقافية التي تستضيف كُتابا ومفكرين ومؤلفين وناشرين من مختلف البلدان العربية للالتقاء مع نظرائهم في البلد المضيف للمعرض، لتتلاقى الأفكار والآراء بينهم، ويتعرف القراء على كل جديد يصدر في العالم العربي لدى الناشرين العرب، وأيضًا يتعرف الناشرون على الميول القرائية لدى القراء أو اكتشاف مؤلفين جدد.

2-     نشأة معارض الكتب في البلدان الأوربية
عندما اخترع يوحنا جونتنبرج آلة الطباعة في مدينة ماينز، إحدى المدن الألمانية قليلة الكثافة السكانية، وتحول الناشرون إلى طبع العديد من نُسخ للكتاب الواحد، عوضًا عن نسخ الكتاب المخطوط المحدود العدد، وجد الناشرون أنهم يحققون خسائر كبيرة لقلة عدد سكان مدينة ماينز وارتفاع تكلفة آلة الطباعة، ففكر جون فاست وبيتر شوفار، وهما من الناشرين، في ضرورة عرض كتبهم على أكبر عدد من السكان، فكانت مدينة فرانكفورت القريبة من مدينة ماينز في إقامة أول معرض للكتب عام 1454م في كنيسة سان بول لزيادة توزيع الكتب.
وتلا ذلك إقامة معرضين في مدينة ليون بفرنسا، ومدينة البندقية في إيطاليا لوجود أنهار لديهما التي تُسهل وتخفِّض تكلفة نقل الكتب، واستمر معرض فرانكفورت يقام سنويا حتى عام 1632م ثم توقف نظرا للحروب التي قامت في أوربا بين مختلف الدول، ثم عاد في ثوب جديد عام 1949م واستمر حتى يومنا هذا، ويشارك به أكثر من 100 دولة من مختلف قارات العالم وما يقرب من 8000 ناشر، وزائروه حوالي ربع مليون زائر، وهو معرض لصناع النشـر يضم الناشرين والمؤلفين والفنانين وأصحاب المطابع وكل من يشتغل بمهنة النشـر، ويقتصـر على عرض الكتب فقط لبيع أو شراء الحقوق بين الناشرين والمؤلفين، وهو يعتبر أكبر معرض للكتاب على مستوى العالم فيبلغ عمره 500 عام، ثم أقيم معرض لندن عام 1971م وهو يعتبر ثاني معرض في العالم لأنه أهم معرض للناطقين باللغة الإنجليزية وأن لندن عاصمة النشـر الأولى في العالم.

3-     نشأة معارض الكتب في البلدان العربية:
في عام 1956م أقام النادي الثقافي العربي في بيروت، وهو نادٍ أدبي، أول معرض للكتاب شارك فيه عدد صغير من الناشرين، حيث إن صناعة النشر كانت تتركز في القاهرة وبيروت وبعض من البلدان العربية، وغالبية البلدان العربية لم تكن لديها صناعة نشر.
وفي عام 1969م أقيم معرض القاهرة الدولي للكتاب، واكتسب صفته الدولية من الاتحاد الدولي للمعارض، وضم العديد من الناشرين المصـريين والعرب والأكثرية من الناشرين الأجانب، وهو يعتبر ثاني معرض في العالم بعد تصنيفه في عام 2006م بعد معرض فرانكفورت الأول بعدد زائريه بأكثر من مليوني زائر.
ثم توالت إقامة معارض الكتب في البلدان العربية، نتيجة للتوسع في العملية التعليمية بإنشاء المدارس والجامعات والاهتمام بالثقافة والنمو الاقتصادي الذي حدث في معظم البلدان العربية.

4-     أهمية إقامة معارض الكتب في البلدان العربية:
أ- تعتبر صناعة النشر في عالمنا العربي حديثة مقارنة بما هو حادث في العالم الغربي، فهناك فارق زمني يزيد على 4 قرون، وأن صناعة النشر في الغرب صناعة قوية، وتعتبر ثالث تجارة في أمريكا، بينما في عالمنا العربي تعتبر صناعة ضعيفة مقارنة بعدد السكان، فالمشاكل التي تواجهها كثيرة وكبيرة ومنها:
1-    عدم الاهتمام بترسيخ وتنمية عادة القراءة لدى الأفراد منذ الصغر.
2-    ازدياد ظاهرة الأمية.
3-    عزوف المتعلمين والمثقفين عن القراءة.
4-    تعاظم أجهزة الرقابة وتشددها.
5-    تفشي ظاهرة التزوير بالاعتداء على حقوق الملكية الفكرية للمؤلف والناشر.
6-    الارتفاع المستمر في زيادة الضرائب والرسوم الجمركية على النشاط ومستلزمات إنتاج الكتاب.
7-    الارتفاع المستمر في أسعار الدعاية والإعلان بوسائل الإعلام.
8-    ارتفاع إيجارات المعارض العربية.
9-    الارتفاع في تكاليف السفر والشحن.
10-   تراجع إنشاء المكتبات التجارية لارتفاع تكلفة الاستثمار.
11-   قلة إنشاء المكتبات العامة.
12-   ضعف وتراجع الميزانيات المخصصة لشـراء الكتب للمؤسسات والجامعات والمدارس.
كل هذه المشاكل والصعوبات ساهمت في الحد من توزيع وانتشار الكتاب العربي، وأصبحت المعارض العربية هي المنفذ الأوسع انتشارًا في توزيع الكتاب بل في بعض الأحيان المنفذ الوحيد.
ورغم أن أساس إقامة معارض الكتب للعرض لصناع النشـر وليست للبيع فإن معرض القاهرة الدولي للكتاب قد سَنَّ سُنة جديدة بأن جعل المعرض  قسمين: قسم للعرض وبذلك يحقق الهدف الأساسي من إقامة المعرض، والقسم الآخر سوق للكتاب يسمح للقراء باقتناء وشراء الكتب. وزاد على ذلك إقامة فعاليات ثقافية مصاحبة للمعرض، ونهجت كل المعارض العربية نهج معرض القاهرة من حيث سوق الكتاب والفعاليات الثقافية.
ب- المعرض فرصة للقراء للاطلاع واقتناء الجديد من إصدارات مختلف البلدان العربية.
جـ - احتكاك الناشرين العرب في البلدان العربية بالقراء ومعرفة ميولهم القرائية التي يمكن أن تساعدهم في خططهم النشرية المستقبلية.
د – تعرف الناشرين العرب المشاركين بالمعرض من البلدان العربية على مؤلفي البلد المستضيف للمعرض، وإمكانية التعاقد معهم لنشر أعمالهم.
هـ - ازدياد التعاون بين الناشرين المشاركين وناشري البلد المقام به المعرض من خلال عقد الصفقات التجارية.
و – تواصل الكُتاب والمفكرين والمؤلفين العرب مع بعضهم والتعرف على إنتاج بعضهم بعضًا، مما يسهم في خدمة قضايا النشر من خلال تبادل الأفكار والآراء.
ى- فرصة للناشرين والمؤلفين والقراء للتعرف على توجهات النشر في البلدان الأجنبية إذا شارك ناشرون أجانب.

5-     تأثير إقامة معارض الكتب العربية على صناعة النشر العربي:
رغم أن معارض الكتب العربية، كما ذكرنا سابقا، أصبحت المنفذ الأوسع انتشارًا بل الوحيد في بعض الأحيان للناشرين العرب فإنها أثرت على صناعة النشـر تأثيرًا سلبيًا كبيرًا، لأنها حرمت الناشرين من اقتناء كتبهم طوال العام، وأصبح القارئ ينتظر المعرض من عام إلى عام للحصول على الخصومات التي يمنحها الناشرون لاقتناء بقدر المستطاع الكتب الجديدة التي صدرت، ولا يستطيع مع ميزانيته المحدودة شراء معظم ما يراه صالحا للقراءة لأن المعارض أصبحت سوقا للكتاب وليست للعرض فقط، والعكس صحيح لأن القارئ إذا اعتاد على أن يتردد على المكتبات التجارية للاطلاع على كل جديد وكان لديه القدرة المالية على اقتناء الكتب بشكل أسبوعي أو شهري، فيزيد من حجم توزيع الكتب لدى الناشرين مع تحقيق مكاسب مادية معقولة لأصحاب المكتبات التجارية بدلًا من تناقص بل إغلاق هذه المكتبات التجارية لأن عائد الاستثمار لا يحقق المأمول منه، بينما في الدول المتقدمة وجود المكتبات التجارية يساعد ويقوي صناعة النشر لديهم، بالإضافة إلى عوامل أخرى أثرت تأثيرًا سلبيا على الناشرين وصناعة النشر منها:
1-  ارتفاع رسوم إيجارات المعارض بالإضافة إلى الأعباء المالية الأخرى التي تفرض على الناشرين، مثل رسوم التأشيرات ومصـروفات الشحن والتخليص الجمركي، التي قد تدفع بالعديد من الناشرين إلى الأحجام عن المشاركة بالمعارض تجنبًا للخسائر التي قد تحدث لهم بسبب هذه الأعباء المالية، مما يحرمهم من تصريف كتبهم من خلال المعارض وهي أحد المنافذ الجيدة لهم.
2-  التحوط الزائد في فرض الرقابة على الكتب في المعارض خشية النقد من الآخرين بمنع العديد من الكتب مما يقلل حجم توزيعها.
3-  تحول بعض المعارض في إشراك تجار كتب ليس لهم سجلات تجارية أو الانضمام للاتحادات المحلية وأكثرهم يعتمد على ترويج الكتب المزورة، وبالتالي يحد من توزيع الكتاب الشرعي، مما يسبب خسائر للمؤلفين والناشرين، الأمر الذي يدفع الاثنين إلى التوقف عن التأليف والنشر.
4-  معظم معارض الكتب العربية تهتم وتركز على الفعاليات الثقافية من خلال وسائل الإعلام مع إهمال العنصر الأساسي في إقامة المعرض وهو الكتاب.
5-  جنوح بعض معارض الكتب العربية في إشراك شركات تعرض برامج ترفيهية وألعاب أطفال وتسجيلات صوتية ومرئية غير تعليمية للحصول على عائد أكبر من الإيجارات، مما يسبب انصراف جمهور المعرض عن أجنحة الكتب وبالتالي يقل حجم توزيع الكتب.
6-  بعض إدارات معارض الكتب العربية لا تبذل الجهد في حث المؤسسات والجامعات والمدارس على زيارة المعرض وتخصيص ميزانيات للشراء.
7-  إصرار كل دولة عربية على إقامة معرض سنوي للكتاب رغم قلة الكثافة السكانية، وأيضًا قلة الإصدارات الجديدة التي يصدرها الناشرون العرب، مما يجعل الناشر العربي يلهث وراء كل معرض مع إقامتها في فترة زمنية محددة من العام، وتداخل بعضها في البدايات والنهايات مع المعارض الأخرى، وهذا يؤثر على حركة النشر العربي، لأن الناشر لا يجد لديه الوقت الكافي للتفكير في طرح إصدارات جديدة أو وضع مشروعات كبيرة في مجال النشر، بالإضافة إلى عوامل أخرى أثرت على صناعة النشر العربي من جراء إقامة معارض عربية للكتب والتي أصبحت أسواقا للبيع السنوي.
مما سبق عرضه. ربما يتصور البعض أننا ضد إقامة معارض عربية للكتب، وهذا خطأ، فنحن مع إقامة المعارض شريطة أن تنتفي السلبيات التي أثرت على صناعة النشر وتحقق الأهداف المرجوة من إقامتها مثل ما يحدث في معرض فرانكفورت أو بولونيا.
 ورغم ما ذكر من بعض السلبيات في إقامة معارض الكتب العربية فإنها تحقق هدفًا كبيرًا وهو تعزيز التعاون الثقافي بين البلدان العربية على النحو التالي:
1-  تأكيد مبدأ أن الثقافة توحد والسياسة تفرق، فالكتاب والمفكرون والمؤلفون والناشرون يلتقون مع نظرائهم في البلد المقام به المعرض حتى إذا كان هناك خلاف سياسي بين البلدان.
2-    توحد الرؤى والأفكار من أجل النهوض بالأمة العربية من خلال التقاء الكتاب والمؤلفين.
3-  التعرف على الرصيد والمكون الثقافي لكل بلد عربي، وإسهام البعض في ترسيخ الدور الثقافي لهذا البلد ليمتد إلى باقي الدول العربية.
4-  وجود حالة ثقافية ينصهر فيها أبناء البلد مع الرموز الثقافية المدعوة من خارج البلد، مما يعبر عن الوحدة الثقافية بين أبناء الوطن العربي.
5-  تبادل الزيارات بين رموز الفكر والثقافة العربية من خلال إقامة الأيام الثقافية، في مختلف البلدان العربية.
6-  توحد رموز الفكر والثقافة فيما بينهم في تكوين رأي عام أمام صانعي القرار لتحقيق وحدة وتماسك الأمة العربية.
إن معارض الكتب العربية من أهم أهدافها، كما ذكرنا، هو تعزيز العمل الثقافي العربي محققة آمال وأهداف أمتنا العربية، فهي أكبر حدث ثقافي وسياسي واجتماعي يقام سنويا في كل بلد عربي من أجل التنوير ومحاربة قوى الظلام، والتصدي للقوى المتربصة التي تريد تفتيت وطننا العربي.. مع الأمل أن نصل إلى إقامة معارض عربية للكتب على المستوى العالمي مع تعزيز التعاون الثقافي العربي.
 
محمد رشاد
رئيس اتحاد الناشرين العرب

كلمة السيد رئيس الاتحاد

 


آخر الأخبار

يعلن اتحاد الناشرين العرب رئيسًا وأعضاءً عن خالص تعازيه وتضامنه مع سلطنة عُمان سلطانًا وحكومةً وشعبًا جراء السيول الجارفة التي خلفتها الأمطار خلال الأيام الماضية في محافظة شمال الشرقية